في سورة الواقعة فيها وصف للجنات وهذه السورة هي من السور التي تحتاج إلى وقفات حتى نعمل في الدنيا لأن الآخرة لا تُدرك بالتمني وإنما بتوفيق من الله تعالى للعمل. وكلمة الواقعة كلمة مفردة في القرآن لم تتكرر فهي واقعة واحدة بينما تكررت كلمة القيامة والساعة أما الواقعة فلم ترد إلا مرة واحدة وهذا يُرعب الانسان. قال تعالى (وقعت) بصيغة الماضي كما في قوله تعالى (أتى أمر الله فلا تستعجلوه) هل وقعت أم لم تقع؟ (إذا) تقلب الظرف للمستقبل وإذا تكلم الله تعالى عن المستقبل يأتي بصيغة الماضي وكأنه وقع فإذا تأكدت من وقوعه يجب أن تلحق نفسك وعلى السامع أن ينتبه ويعمل قبل أن يقع الفعل. في قوله (اقتربت الساعة) نسأل من كم سنة؟ علينا أن نبادر بالعمل والسعي للآخرة.
ثم قال تعالى (كاذبة) لم يقل تكذيب ثم قال (خافضة رافعة) تخفض أقواماً وترفع أقواماً والذي يخفض لا يرفعه أحد والذي يُرفع لا يخفضه أحد ولهذا علينا أن نتمسك بالعمل.
الأرض لها زلزال وليس كأي زلزال نراه في حياتنا لأن ما يحصل الآن شيء بسيط إذا ما قورن بزلزال الأرض. قال تعالى (إذا زلزلت الأرض زلزالها) هو زلزال واحد لا غير والأرض لها رجة واحدة وزلزال واحد ولهذا لا نستطيع أن نستوعب الأحداث ويجب أن نعرف أن المسألة غير متصورة يوم القيامة ولا يصح أن نسمي ما يحدث على الأرض الآن من هزات أرضية بزلزال لأنه كما قلنا للأرض زلزال واحد يوم القيامة فقط.
قال تعالى (وكنتم أزواجاً ثلاثة) أصل كلمة زوج في اللغة صنف لكن نستخدمها عندما يكون هناك ذكر وأنثى أي (كنتم أصنافاً ثلاثة) والرجال والنساء في الآخرة سواء (إن المتقين في جنات وعيون).
كان من المنطقي البدء بالسابقين في ترتيب الأصناف يوم القيامة كما جاء في آخر السورة (المقربين ثم أصحاب اليمين ثم المكذبين الضالين) ولكن عندما تكلم عن رجّة الأرض أخّر تعالى السابقين لأنه تعالى يريد أن يبعدهم عن أهوال يوم القيامة وهم في أمان حتى في هذه الأهوال وهذا من ضمن تميّزهم. وتوصيف السابقون في منتهى الابداع وعلى رأسهم ابو بكر الصديق رضي الله عنه الذي يجب أن يكون مثالاً أما الرسول r فهو أسوة (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) وروي أن رسول الله r سأل الصحابة يوماً من منكم أصبح اليوم صائماً يقول الصديق أنا ثم يسأل r من منكم اليوم عاد مريضاً فيقول أبو بكر أنا، من منكم تبع جنازة فيقول أبو بكر أنا قال الرسول r ما اجتمعوا في رجل إلا وكان من أهل الجنة. هذا الحديث مثال من أهل الجنة الذين يدخلون بغير حساب. وهنا أحب أن ألفت النظر إلى أن الرسول r لم ينه عن قول أنا كما يفهم البعض ويعتبرها أنها من الغرور ولكنه r نهى أن يطرق المسلم باب أحد فإذا سأله من بالباب قال أنا وإنما عليه أن يفصح عن اسمه. هذا هو النهي عن كلمة أنا وليس كما يفهم البعض أنه لا يجوز أن يقول الانسان أنا فعلت وأنا كذا أو توصيفي كذا بدليل الحديث عن أبي بكر الذي ذكرناه.
وفي حديث آخر يبين قيمة العمل أن الرسول r كان يحدث أصحابه أن يوم القيامة هناك من سيُدعى من باب الصلاة وآخرون من باب الصيام أو من باب الجهاد فسأل أبو بكر رضي الله عنه هل يمكن أن يُدعى أحد من كل الأبواب؟ فقال الرسول r نعم سيدعى رجل من كل الأبواب وله الاختيار وأرجو أن تكون أنت يا أبا بكر. لكن علينا أن نعمل ونسعى لأن نكون من أهل باب معين فهناك باب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس الذي لن يدخل منه إلا من عفا عن مظلمة وفي الحديث " من اعتُذر له من أخيه فلم يرض فلا يرد حوضي يوم القيامة" وهناك باب العفو وباب الجهاد وباب الريّان.
السابقون السابقون: جاء ترتيبهم آخراً ليبعدهم الله تعالى عن أهوال موقف يوم القيامة وكأن السابقين هم في مأمن من أهوال يوم القيامة وهؤلاء حالة خاصة وهؤلاء هم ثلة من الأولين وقليل من الآخرين وعلينا أن نتنافس ونجتهد لكي نكون من السابقين. وتأخيرهم أيضاً حتى يطمع أصحاب اليمين في الوصول إلى درجة السابقين الذين هم مقرّبون في الدنيا والآخرة.
توصيف الأزواج الثلاثة: في بداية السورة ذكر تعالى اصحاب الميمنة واصحاب المشأمة وفي نهاية السورة ذكر أصحاب اليمين وأصحاب الشمال فما الفرق بينهما؟
هذا التوصيف القرآني يعلّمنا وضع الاوصاف في مكانها. إذا كنت في الحرب هناك الساقة والمقدمة والميمنة والميسرة. والقرآن الكريم يوقّع كلام العرب ويوجههم. لمذا سميت اليد اليمنى باليمنى والأخرى سميت اليسرى؟ اليد الأسهل في العمل أخذت اليمين من التمني واليسرى تعني أهون وتيسّر العمل للأخرى أي اليمين فكأنها المساعد. وكلمة الشمال التي نطلقها على اليد اليسرى غير صحيحة لأن كلمة اليسرى جاءت مقابل اليمين والعرب كانوا يتفاءلون بكل شيء من ناحية اليمين ومنها جاءت الأفاضل يمن ويمين وميمون وأيمن (يقال أيمن به أي أبشر به) الشمال تأتي مقابل الجنوب وعندما عملوا بالفَلَك وجدوا أن الجهة الغالبة التي فيها أكثرية الناس تكون في جنوب الأرض والجهة التي فيها إعمار أكثر وخير أكثر هي الشمال فالناس أطلقت الشمال على اليد اليسرى والقرآن يصحح فلو قلنا أصحاب ميمنة ومقابلها أصحاب ميسرة لكان لهم خير لكن ليس كاليمين لكنه قال تعالى المشأمة أي يا شؤم من يصلون إليه في العاقبة فاختار لهم اللفظ الذي يدل عليهم ويحقق موقعمه من النار وهذا توقيع العرب. والسابقون أولئك المقربون في الدنيا والآخرة. أهل اليمين الفرق بينهم وبين المقربين أن المقربين سعوا فأصبحوا مقربين وكل عمل عملوه على مبدأ قال الله تعالى وقال الرسول r أما أصحاب اليمين فلم يسعوا كفاية.
ثلة من الأولين: هل معنى الأولين أفضل من المتأخرين؟ وهل الأولون هم الذين عاصروا رسول الله r أو أتباعه؟ وهل الآخرين كثر بالنسبة لعدد المسلمين والقليل من الكثرة كثير أما الأولون فكانوا قليلون فلهذا قال ثلة من الأولين؟
الأولين هم الأولون من كل الأمم لأن القرآن ينطبق على الجميع ويتكلم عن العالمين من عهد آدم إلى قيام الساعة. كل نبي عدد المؤمنين الذين معه بالنسبة للعدد الكلي سيكونون ثلة بالنسبة للعصر فلكم حقبة بعج الرسول يمتد الأولون؟ قلنا أن مات على عهد موسى u فهو مسلم لأن الدين عند الله الاسلام والمعاصر لرسول الله r مسلم فالأولين نسبة وتناسب لكن من فضل اله تعالى علينا أنه يوجد قليل من الآخرينز ساعة قيام الساعة ستقوم على كفر لكن سيكون هناك قلة مؤمنة وبينهم قسم من السابقين والباب مفتوح ليوم القيامة والفرصة قائمة مع أن عددهم قليل ولهذا قال تعالى عن أصحاب اليمين (ثلة من الأولين وثلة من الآخرين). قال أبو بكر الصديق: أنا لا آمن مكر ربي حتى ولو كانت إحدى قدمي في الجنة.
أسئلة
سؤال1: ما هي مسألة الخلود في قوله (خالدين فيها أبدا) وما هو الأبد. ؟
الأبد يساوي الخلود ويؤكده لكن الآيات التي لم ترد فيها أبداً تؤكد الخلود أيضاً (نأخذ الآيات من صدر كلمة خالدين) المضمون أن يكون الانسان يعمل بجد ليكون من أهل الجنة.
في سورة هود قال تعالى (ما دامت السموات والأرض) لمذا الربط بالسموات والأرض؟ وما دلالة الاستثناء في قوله تعالى (إلا ما شاء ربك)؟
قال تعالى في سورة هود (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)) وقال تعالى (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات) يجب أن يكون هناك أرض وسماء أخرى تناسب المرحلة فأرض الدنيا فانية وسماؤها فانية أما أرض الآخرة وسماؤها فباقية. وكانت العرب تستخدم هذا التعبير لجهلهم فكانوا يقولون لأي شيء لا يتغير (ما دامت السموات والأرض).
أما الاستثناء في قوله تعالى (إلا ما شاء ربك) لم يقل تعالى إلا من شاء وإنما قال إلا ما شاء أي المدة الزمنية التي يحاسب فيها العبد.
خالدين في الجنة: نحن في الجنة أو في النار قبل أن نُخلق من عهد آدم (الله تعالى قبض قبضة بيمينه وقال هذه لهذه ولا أبالي وقبض قبضة بشماله وقال هذه لهذه ولا أبالي) كم عشت في الدنيا؟ وكم مدة الحساب؟ والاستثناء في وقت عاش في الدنيا أو المدة التي نحاسب فيها ومدة القبر أو الحساب هي الاستثناء ساعة الحساب لم يكونوا في الجنة مع أنهم كانوا في الجنة بالقبضة التي قبضها تعالى، والباقي خلود في الجنة بإذن الله تعالى والخلود أبدي في الآخرة.
سؤال 2: ذكر القرآن الكريم من أوتي كتابه بيمينه وذكر من أوتي كتابه بشماله بأنه كان لا يؤمن بالله العظيم فهل كل من أخذ كتابه بشماله هو لا يؤمن بالله العظيم؟ وهل نفهم من الآيات أن كل من آمن بالله تعالى يدخل الجنة ويؤتى كتابه بيمينه؟
استخدم القرآن كلمة الإيمان وليس الاسلام أي اسلام العقيدة فهل معنى أن الذي لا يؤمن لم يطبق الاسلام الذي آمن به كأن الايمان درجة لم يصل إليها المسلم بتطبيقه؟ الرسول r كان معه معاذ بن جبل فقال يا معاذ فيجيب معاذ لبيك يا رسول الله فكررها الرسول r ثلاثاً وكرر معاذ جوابه ثثاً ثم قال r أُخبرك بحق الله على العباد وحق العباد على الله؟ حق الله على العباد أن يعبدوه ويؤمنوا به ولا يشركوا به أحداً فقال معاذ وإذا عملوه؟ قال r وحقهم عليه أن لا يعذبهم فقال له معاذ أُبشّر الناس قال r إذن يتّكلوا. لم يخبر معاذ بهذا أحداً إلا عند احتضاره حتى لا يكون قد أخفى من كلام الرسول r شيئاً عن المسلمين.
ونسأل ما هو الايمان؟ عند أهل اليمين أن يقول أنه مسلم يصلي ويزكي ويصوم ويحج وقال تعالى (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) ) لمّا: تنفي مع توقع حدوث الايمان أي يوجد فرصة أن يدخل الايمان في قلوبهم. العمل هو القضية في الايمان وليس الكلام. نحن أسلمنا أم جئنا مسلمين؟ علينا أن نشكر الله تعالى أن أوحدنا من أبوين مسلمين وقلت سابقاً أنه على الأعل إذا بلغ أبناؤهم أن يعلموهم الشهداة وأن يطلبوا منهم أن يشهدوا بالوحدانية لله تعالى لأنهم أصبحوا مسلمين مكلفين. وقال تعالى (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) هذه الآية نزلت بعد أن قال الصحابة للرسول r نحن نحب الله تعالى. وطالما خلقني الله مسلماً فهذا فضل منه تعالى وعلي أن أجتهد بالعمل وقلنا سابقاً في الحديث "من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة" وقلنا يعلم تعني أنه يعمل بها ونحن نحتاج لأن نطمع بالدرجات العلى في الجنة فنعمل لأجل هذا[/b]